تقرير دولي يكشف عن تصدر الرياض لمؤشر أغلى مدن الشرق الاوسط في تكلفة البناء بسبب نقص الايدي العاملة والطلب المحموم

تقرير دولي يكشف عن تصدر الرياض لمؤشر أغلى مدن الشرق الاوسط في تكلفة البناء
  • آخر تحديث

في ظل النمو المتسارع في المشاريع العمرانية وارتفاع وتيرة التنمية ضمن رؤية المملكة العربية السعودية 2030، برزت مدينة الرياض كأغلى مدينة في الشرق الأوسط من حيث تكلفة البناء.

تقرير دولي يكشف عن تصدر الرياض لمؤشر أغلى مدن الشرق الاوسط في تكلفة البناء

وكشف تقرير صادر عن شركة "تيرنر آند تاونسند" العالمية المتخصصة في استشارات إدارة المشاريع أن متوسط تكلفة التشييد في العاصمة السعودية بلغ 3,112 دولار أمريكي للمتر المربع، متجاوز بذلك كل مدن المنطقة، ومرسخ مكانة الرياض كسوق إنشائي رئيسي يشهد ضغوط متزايدة بفعل تحديات محلية وعالمية.

أسباب ارتفاع تكاليف البناء في الرياض

يعزو التقرير هذا الارتفاع في التكاليف إلى مجموعة من العوامل المتداخلة، في مقدمتها النقص الحاد في العمالة الماهرة، وهو ما يعد أحد أبرز أسباب التضخم في سوق البناء، ليس فقط في الرياض بل في مدن كبرى أخرى مثل دبي وأبو ظبي.

ومع ازدياد الطلب على تنفيذ المشاريع الكبرى، تزداد الحاجة إلى الأيدي العاملة ذات الخبرة العالية، ما يسبب فجوة كبيرة بين العرض والطلب، وبالتالي ارتفاع الأجور وزيادة كلفة التشييد.

رؤية 2030

ضمن إطار رؤية السعودية 2030، تشهد المملكة طفرة تنموية غير مسبوقة، تتجلى في مشاريع "الجيجا" العملاقة مثل نيوم، ذا لاين، القدية، والبحر الأحمر، إلى جانب التوسع في القطاعات الأخرى مثل السياحة، والضيافة، والخدمات اللوجستية، وتكنولوجيا المعلومات.

هذه المشاريع الطموحة تمثل وقود للنمو العمراني، وتسهم بشكل مباشر في زيادة الطلب على خدمات البناء والإنشاء، ومن أبرز العوامل التي تسهم أيضا في رفع التكاليف:

  • التوسع السريع في تطوير مراكز البيانات.
  • إنشاء مكاتب إدارية ومشاريع متعددة الاستخدامات.
  • بناء وحدات سكنية وفنادق ومنتجعات ضمن مشروعات السياحة المتكاملة.

الرياض في صدارة تكاليف البناء إقليميا

رغم احتلالها المرتبة الأولى على مستوى الشرق الأوسط، إلا أن الرياض لا تزال تعتبر مدينة ذات تكلفة بناء تنافسية عالميا.

ففي حين يبلغ متوسط تكلفة المتر المربع في العاصمة السعودية 3,112 دولار، فإن هذا الرقم يبقى أقل من لندن (5,385 دولار) ونيويورك، ما يمنح السوق السعودية ميزة نسبية من حيث الجاذبية الاستثمارية، خاصة في ظل استقرار البيئة الاقتصادية وتنامي الناتج المحلي.

وتظهر بيانات التقرير أن الرياض تفوقت على الدوحة، ثاني أغلى مدينة في المنطقة، والتي سجلت متوسط تكلفة بلغ 2,613 دولار أمريكي للمتر المربع، بفارق يقارب 400 دولار.

ضغوط الطلب والموارد المحدودة

مع التوسع في عدد المشاريع وتزامنها في فترات زمنية قصيرة، تواجه الشركات العاملة في قطاع البناء تحدي كبير يتمثل في القدرة الاستيعابية المحدودة.

وتشير التقارير إلى أن معظم أسواق الشرق الأوسط تعاني من آثار هذا النقص في الموارد البشرية، حيث تظهر نتائج مؤشر GCMI أن جميع الدول المشمولة تواجه تأثير كبير في تسليم المشاريع بسبب نقص العمالة المتخصصة.

كما أن ندرة بعض المواد الأساسية، مثل الأسمنت والفولاذ، بالإضافة إلى الاضطرابات في سلاسل الإمداد العالمية، تعد من العوامل الإضافية التي تضغط على الأسعار وتطيل فترات تنفيذ المشروعات.

توقعات مستقبلية

تشير التوقعات الاقتصادية إلى استمرار الاتجاه التصاعدي في التكاليف خلال العام المقبل، حيث من المرجح أن ترتفع تكاليف البناء بنسبة 5.0% في عام 2025 في كل من الرياض، ودبي، وأبو ظبي، وهي أبرز مراكز النمو العقاري في المنطقة، وتعزى هذه الزيادة إلى:

  • الطلب المتواصل على المشاريع الجديدة.
  • التنافس الشديد على الأيدي العاملة والموارد.
  • ضغط الجدول الزمني لتسليم المشاريع وفق أهداف وطنية دقيقة.

وفي الوقت ذاته، يتوقع صندوق النقد الدولي نمو الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بنسبة 3.5% في عام 2025، و3.9% في عام 2026، وهو ما يعزز من وتيرة النشاط في قطاع البناء، رغم التحديات المتعلقة بالتكلفة.

توصيات استراتيجية

لمعالجة هذه التحديات، يوصي تقرير "تيرنر آند تاونسند" بعدد من الاستراتيجيات التي من شأنها التخفيف من ضغوط التكلفة وتعزيز الاستدامة في مشاريع البناء، وأبرزها:

  • الاستثمار في تطوير المهارات الوطنية: تعزيز البرامج التدريبية التقنية والمهنية لاستقطاب الشباب السعودي لسوق العمل في قطاع البناء.
  • دعم التصنيع المحلي: توسيع التعاون مع الموردين والمصنّعين داخل المملكة لتقليل الاعتماد على الواردات.
  • استخدام تقنيات البناء الحديثة: مثل البناء المسبق والمطوّر (Modular Construction) لتقليل الوقت والتكاليف.
  • التحول الرقمي في إدارة المشاريع: تطبيق نظم إدارة ذكية لتحسين كفاءة التنفيذ وتقليل الفاقد.

بين فرص النمو وتحديات التنفيذ

يتضح من التقرير أن منطقة الشرق الأوسط، وخاصة المملكة العربية السعودية، تقف على أعتاب مرحلة ذهبية من النمو العمراني والاقتصادي، مدفوعة بطموحات ورؤى تنموية شاملة. لكن في المقابل، فإن نقص الكوادر الفنية وارتفاع تكاليف المواد وتنافس الشركات يشكل تحديات لا يستهان بها.

وبرغم ارتفاع تكلفة البناء في الرياض، إلا أن السوق السعودية ما زالت تتمتع بقدرة تنافسية قوية بفضل مناخها الاستثماري الجاذب، واستقرارها الاقتصادي، وتوجهها نحو تنويع مصادر الدخل.

ولعل النجاح في تجاوز هذه التحديات يتطلب رؤية استراتيجية متكاملة تجمع بين الاستثمار في الإنسان، وتعزيز المحتوى المحلي، وتبني الحلول المبتكرة في التنفيذ.